رؤي ومقالات

وحيد عيادة يكتب : الحب في زمن الملوخية !

جلس الجد محمود على كرسيه الخشبي المعتق في شرفته المطلة على الشارع القديم. بجواره جلس حفيده آدم، الذي لم يرفع عينيه عن شاشة هاتفه الذكي منذ أكثر من نصف ساعة. كان الجو هادئًا، لا يُعكر صفوه سوى صوت بائع الفول ينادي في الشارع، وصوت النقر السريع على شاشة الهاتف.

قال الجد بابتسامة هادئة:
– “يا آدم، أنت شايف إيه في الموبايل ده شاغلك كده؟”
رفع آدم عينيه بتثاقل وقال:
– “بلعب يا جدو، وحاجات عالتيك توك!”

ضحك الجد بصوت عالٍ وقال:
– “تيك توك! زمان كان عندنا حاجة اسمها الكوبري، مش تيك توك. كان الكوبري ده مكان الحب والرومانسية. لما جدتك كانت تمر قدامنا وهي لابسة فستانها المنقوش، كنا نحس إن الدنيا وقفت، وإن الوقت نفسه بينحني احترامًا لخطواتها.”

ارتفع حاجبا آدم بدهشة وقال:
– “يعني كنت بتعمل زي الأفلام؟”
أومأ الجد بفخر وقال:
– “بالضبط! الحب كان مش محتاج شات ولا إيموجي قلوب. كان نظرة واحدة من جدتك وهي ماشية قدامي كفيلة تخلي قلبي يطير. كنت أقعد أكتب لها جواب بخطي، وأحط فيه وردة من الحديقة. تعرف إحساس إنك تستنى رد منها أيام؟”

قهقه آدم وقال:
– “رد أيام! إحنا لو رسالة ما اتردش عليها في دقيقة بنفكر البنت مش بتحبنا.”

هز الجد رأسه وقال:
– “دي مشكلة زمنكم. الحب سريع كأنه وجبة جاهزة. زمان الحب كان زي طبخة ملوخية على نار هادية. كان فيه صبر، وكان لكل شيء طعمه. لما كنت أخرج مع جدتك كان يومها يبدأ الصبح بكيّ القميص الأبيض، ونهاية اليوم نجلس في الشرفة نسمع أغاني أم كلثوم.”

رد آدم ضاحكًا:
– “دلوقتي الحب مكالمات فيديو وكلمات مختصرة. ما فيش حد يقعد يسمع أغاني طويلة. الحب لازم يكون سريع.”

أغمض الجد عينيه للحظة وقال:
– “عارف يا آدم، الحب زمان كان مش بس بين اتنين. كان الحب موجود في كل حاجة. لما أجيب بطيخة، وأقطعها بنفس الطقوس، كنت بحبكم وإنتو لسه ما جيتوش. لما أصلح صنبور أو لعبة، كنت بحب الحياة نفسها. دلوقتي الناس بتحب بسهولة، وبتنسى بسهولة.”

صمت قليلاً ثم أضاف بنبرة شقية:
– “لكن صدقني، رغم كل ده، في حاجات ما تتغيرش. زي إن الأكل كان له طعم تاني. لما جدتك كانت تطبخ لي كشري، كنت أشوفها أجمل من أي ملكة جمال. كانت تشيل حلة الكشري قدامي كأنها بترفع الستار عن لوحة فنية.”

قهقه آدم وقال:
– “أنت روميو فعلاً يا جدو!”

ابتسم الجد وقال:
– “روميو؟ لا يا بني، روميو كان تمثيل. إحنا كنا بنعيش الحب بكل تفاصيله، ببطء، بصدق. والأهم، كنا نعرف إن الحب مش بس كلام، الحب أفعال.”

مد الجد يده نحو آدم وقال:
– “تعالى بقى نعمل حاجة يحبها زمان ويحبها دلوقتي: نقطع بطيخة!”

وهكذا، أمسك الجد بالسكين، وبدأ في تقطيع البطيخة بحركة بهلوانية ، وسط ضحكات آدم الذي شعر لأول مرة أن الحب ليس مجرد كلمات تُكتب على الشاشة، بل ذكريات تُصنع بيدين مليئتين بالحب والحنين ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى