رؤي ومقالات

إبراهيم نوار يكتب :إستخدام المال العربي وسيلة من وسائل النفوذ

ليس استخدام المال العربي وسيلة لكسب النفوذ جديدا، لكنه لم يكن أبدا بهذه القوة والكثافة منذ أكتوبر 1973. إن العرب يستخدمون أموالهم في دعم ميزانية الحكومة الأمريكية بشراء أذون وسندات الخزانة التي يصدرها مجلس الاحتياط الفيدرالي. وقد بلغت قيمة حيازة دولتين عربيتين هما السعودية والإمارات من سندات الخزانة الأمريكية في شهر آذار/مارس الماضي 236 مليار دولار (131.6 مليار دولار للسعودية و 104.4 مليار دولار للإمارات) بنسبة 6.01 في المئة من الرصيد القائم للسندات والأذون، مقابل 206.8 مليار دولار في الشهر المقابل من العام الماضي.
وعلى الرغم من جاذبية سندات الخزانة الأمريكية كأداة من أدوات الاستثمار، فإن حيازتها بواسطة البنوك المركزية للدول الأخرى تعكس مدى قوة المصالح والعلاقات مع الولايات المتحدة. حاليا تأتي اليابان وبريطانيا والصين في المراكز الثلاثة الأولى على التوالي لحيازة سندات وأذون الخزانة الأمريكية. ويعتبر تنامي حيازة الدول العربية منها علامة من علامات الثقة والمصالح المتبادلة. لكن عمق المصالح الاقتصادية المتبادلة ينتشر في كل قطاعات الاقتصاد من خلال قنوات كثيرة حكومية وخاصة.
وقد استطاعت الشركات الأمريكية خلال جولة دونالد ترامب الخليجية توقيع صفقات تتراوح قيمتها بين 4 إلى 5.1 تريليون دولار في مجالات الدفاع والفضاء والتكنولوجيا والبنية الأساسية والنفط والتمويل والاستثمار، من شأنها أن تغير وجه الصناعة الأمريكية والصناعة في دول مجلس التعاون، ومن شأنها أيضا أن تضع الاقتصاد الأمريكي في مكانة عالمية تنافسية أقوى، لأنها تضيف إليه موارد استثمارية ضخمة وسوقا تجارية مضمونة على مدى السنوات العشر المقبلة على الأقل.
واعترف ترامب بفوائد تلك الصفقات في نهاية زيارته بالقول: «جولتي بالشرق الأوسط كانت رائعة، وقد عدنا بحوالي 5.1 تريليون دولار». وإذا صح هذا الرقم فإن بلاده تكون قد حصلت على تعهدات بموارد إضافية من الخليج بما يعادل 17.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، الذي بلغ بنهاية العام الماضي 29.2 تريليون دولار. وإذا كان الاقتصاد الأمريكي قد حقق نموا بمعدل 2.8 في المئة بين عامي 2023 و2024 فإن هذه الصفقات توفر له فرصة مضاعفة معدل النمو من دون أي تكلفة إضافية يتحملها الاقتصاد لمدة تزيد على 6 سنوات، وهو أمر يمكن أن يؤثر جوهريا على السباق الاقتصادي بين أمريكا والصين.
في هذا السياق أثبتت الأموال الخليجية أن في الامكان استخدامها كقوة ناعمة يكون تأثيرها أكبر من قوة السلاح، أو غيره من وسائل القوة الخشنة. زيارة الرئيس الأمريكي ترامب إلى السعودية وقطر والإمارات، تقدم أكبر دليل على ذلك حتى الآن. ومع أن جوزيف ناي كان قد صنّف استخدام الأموال بوصفها أداة من أدوات القوة الخشنة عندما تستخدم في فرض العقوبات (تشمل المصادرة والتجميد ووقف التحويلات ومنع المساعدات)، فإنها تصبح أيضا أداة من أدوات القوة الناعمة، عندما تستخدم في التحفيز والمساعدات وتقديم الاستثمارات وجذبها وغير ذلك من الوسائل والأساليب التي تؤدي عمليا إلى تحويل مسار السياسة أو إدخال تغييرات عليها.
وعلى الرغم من أن «دبلوماسية الصفقات» التي يقودها الرئيس الأمريكي في السياسة العالمية تمثل تهديدا لقواعد ومعايير عمل النظام الدولي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أن حقيقة أنه تمكن من تحقيق مكاسب مالية وتجارية واقتصادية للولايات المتحدة بواسطتها تطرح سؤالا كبيرا عن مدى قوة وتأثير الصفقات المالية التي عقدها ترامب خلال زياراته للسعودية وقطر والإمارات. وتؤكد النتائج المباشرة لهذه الصفقات أن الدبلوماسية العربية يمكن أن تكون لها أسنان حادة، في حال استخدمت القوة المالية الخليجية كعنصر من عناصر القوة الناعمة عن طريق الصفقات والمساعدات، أو الخشنة عن طريق حجب التمويل ووقف التجارة أو سحب الاستثمارات مع الدول الأخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى