حمزه الحسن يكتب: الجماعات المتمردة

تتضح ظاهرة دعم الجماعات المتمردة في دول عربية” غير منضبطة” خارج سيطرة الدولة عسكريا وسياسيا واستخباراتيا وماليا من الولايات المتحدة ودويلات عربية ثرية أشعلت حرائق في بيوت العرب،
لتحاشي مصير محتوم في الزوال كما توقع البروفسور كريستوفر دافيدسون في كتابه المرجعي” ما بعد الشيوخ:الانهيار المقبل للممالك الخليجية” وهو خبير عالمي بارز في سياسات الشرق الأوسط والاستاذ السابق في جامعة دبي ومن توقع أزمتها الاقتصادية الكبرى عام 2008 قبل حدوثها بسنوات مما دفع دول مجلس التعاون الى دعم مالي كبير بعد أن وصلت الى العجز عن سداد ديونها وطلبت من الدائنين منحها مهلة جديدة وتلقت دعما سعوديا بالمليارات والسبب كما فسره كريستوفر ان سقوط واحدة من هذه المشايخ يعني سقوطا متزامنا للجميع كلعبة الدومينو وغلاف كتابه بالانكليزية صور ملوك وامراء المشايخ مع لعبة الدومينو.
لكن هذا السقوط لن يحدث بالطرق التقليدية كالانقلابات بل تاكل في الطبقة السياسية وصراع أجيال جديدة ولدت في عالم مختلف ليس كالاباء والاجداد ولن يجدي نظام الصدقة والمكرمة كهدايا في اقتصاد ريعي ولا في الابراج التي تبهر البدوي المعتاد على سطح الصحراء. الاقتصاد الريعي أحادي وهو الدخل الذي يحصل عليه من دون جهد أو استثمار موازٍ، بل نتيجة امتلاك موارد معينة أو مزايا غير مألوفة.
مع ” تحديث إداري” مشترى بالمال كالجيوش والقواعد العسكرية والنساء والاعلام والمنظمات المسلحة، وليست ” حداثة ثقافية وفكرية” داخلية عدا القشور وحتى العمارات الشاهقة هي تحوير من الحديد والاسمنت للخيمة لان العقل الساكن فيها واحد لم يتغير. ونحن لا نفرق بين التحديث الاداري المجلوب من الخارج وبين الحداثة الثقافية النابعة من الداخل.
العقل المنبهر بالعمارات الشاهقة لا يعثر على حداثة فكرية وثقافية لانه عقل شعاراتي مغرم في المظاهر في كل شيء ومباشر ومن ثم لا يعثر على المستقبل الموجود في هذه الحداثة الغائبة المتناقضة حدياً وجوهرياً مع العقل الحاكم القائم على الولاء والطاعة والامتثال والسلالية والنظام القبلي الأبوي Patriarch البطرياركي المبني على الطاعة العمياء وهو ما يتناقض مع الحداثة الفكرية تناقضاً جوهرياً.
كان البروفسور كريستوفر قد توقع سقوطها منذ سنوات لكن مر الوقت ولم يحدث التوقع وعن سؤال: لماذا لم يحدث الانهيار؟ كان جوابه: أشعلوا الحرائق في بيوت الجيران لتأجل مصير محتوم لاخر قلاع العبودية في العالم. تحويل دول عربية الى” إمثولة” في الخراب لاسكات مواطنيها من فكرة التغيير” ألا ترون سوريا؟ العراق؟ اليمن؟ السودان.؟ليبيا؟” .
فكرة الجماعات المتمردة ليست اشتقاقا لغوياً منا بل جاءت في المحاضرة التي القاها البروفسور ماكس مانوارينج خبير الاستراتيجية العسكرية في معهد الدراسات التابع لكلية الحرب الأمريكية والجيل الرابع من الحرب أمام جنرالات حلف الناتو وليس في قاعة ثقافية أو روضة أطفال،
ومكان المحاضرة اسرائيل في 13 آب، أوغست، 2013 وتم تهريب
المحاضرة سراً وفيها تفاصيل كثيرة لكن حول فكرة الجماعات المتمردة قال:
” ” ليس الهدف تحطيم المؤسسة العسكرية لإحدى الأمم، أو تدمير قدرتها العسكرية، بل الهدف هو: الإنهاك ــــ التآكل البطيء ــــ لكن بثبات،
والهدف هو ارغام العدو على الرضوخ لارادتك”.
يضيف حرفياً:
” الهدف زعزعة الاستقرار وهذه الزعزعة ينفذها مواطنون من الدولة العدو لخلق الدولة الفاشلة: ما يهدد فكرة سيادة الدولة العدو، يقول،
هو التحكم باقليم خارج سيطرة الدولة تتحكم به مجموعات غير خاضعة للدولة محاربة وعنيفة وشريرة، حرفياً، وهنا نستطيع التحكم، وهذه العملية تنفذ بخطوات ببطء وهدوء وباستخدام مواطني دولة العدو،
فسوف يستيقظ عدوك ميتاً”.
بثبات وصبر وتآكل بطيء ودعم جماعات في إقليم مستقل” عن الدولة المركزية وظيفته انهاك واستنزاف موارد الدولة وتحويلها الى دولة فاشلة، وعندها ستنهار بلا رصاصة واحدة وبلا جيش منا بل من قبل هذا الصراع المنهك الطويل وعادة ما يكون الحصار الاقتصادي ملازماً له لكي تنهار الدولة والسلطة والمجتمع في تفسخ متدرج وليس سريعاً،
لأن السقوط السريع يبقي على قيم أخلاقية حية وعلى مؤسسات الدولة ،
والحل الأمثل هو التآكل البطيء ، خراب متدرج للمدن والنفوس والمؤسسات والقيم الاخلاقية، وتحويل الناس الى قطعان هائمة، وشل قدرة البلد “العدو “على تلبية الحاجات الاساسية،
بل تحويل نقص هذه الحاجات الى وجه آخر من وجوه الحرب حتى الانهيار الكلي والاستسلام، وهو عمل مدروس ومنظم بدقة.
بتعبيره الواضح إن اسلوب الحروب التقليدية صار قديماً،
والجديد هو الجيل الرابع من الحرب، لأن فكرة” الجماعات المتمردة المحلية الشرسة والعنيفة والمحاربة وخارج سيطرة الدولة” تلبى الأهداف وكما يقول في المحاضرة:
” بصرف النظر عن وقوع ضحايا أبرياء لأن الهدف وهو السيطرة” ثم يخاطب الجنرالات مبتسما للتخفيف عن فظاعة ما سيقول:
” لو شاهدت مشاهد عنيفة ــــ أي أطفال ونساء وعزل قتلى ـــــ لا تلتفت بل الهدف هو الأهم”
تقويض الدولة والمجتمع أهم من كل شيء، أي محو الدولة والمجتمع عبر عملية طويلة. لا حاجة للامثلة لأنها معروفة .