فيس وتويتر

حامد المحلاوى يكتب : بعد التكنولوجيا .. استيراد الأخلاق من اليابان !

 

استفزني خبر قرأته يقول : إن وزارة التربية والتعليم بصدد استقبال وفد من اليابان للاستفادة من خبراتهم في مجال الأخلاق والتربية .. اعتدنا استيراد الأجهزة والتكنولوجيا من اليابان لكن الأخلاق فأمر غريب ! .. لكن بعد أن أكملت قراءة الخبر وتعرفت كيف يربي اليابانيون أبناءهم على القيم والمبادئ والسلوكيات الإيجابية وجدتني متحمسا غاية الحماسة لهذه الفكرة وقلت لنفسي : وما العيب أن ننقل التجربة اليابانية إلى مجتمعنا ؟! .. بل هى خطوة مهمة نحن في أمس الحاجة إليها ..
في اليابان تدرس مادة من الصف الأول الابتدائي إلى الصف السادس اسمها “ طريق إلى الأخلاق ” .. فيها يتعلم التّلاميذ الأخلاق الحسنة وفن التعامل مع الآخر بذوق وكياسة وأدب .. أيضا لهم فلسفة خاصة تتلخص في أن الكد والاجتهاد أهم من الموهبة والذكاء .. اليابانيون يدربون أطفالهم على أن النجاح والتفوق لا يتحققان إلا بالاجتهاد وبذل الجهد وليس بالذكاء فقط .. هم يرون أن الجميع سواسية وخلقوا بقدر من الذكاء يكفيهم وكل شخص يستطيع استيعاب ودراسة أي شيء في أي مجال .. بل ويستطيع الطالب أن يدرس أي مقرر دراسي حتى ولو كان لا يتناسب مع ميوله .. هكذا يزرعون الثقة في أبنائهم .. أيضا هناك لا يوجد رسوب من الصف الأول الابتدائي وحتى الصف الثالث الإعدادي فلا عقد ولا أمراض نفسية .. الهدف الأسمى هو التربية وغرس المفاهيم وبناء الشخصية وليس التعليم والتلقين فقط .. ابتكر اليابانيون نظاما رائعا يتجمع فيه الأطفال مرة أسبوعيا ليتدربوا فيه على حياة الكبار بشكل عملي وقريب إلى الواقع مثل محاكاة وظيفة عامل البنزين والكهربائي والطبيب والمهندس والصحفي والمذيع وغيرها من مهن ووظائف .. يعلمونهم احترام المهنة وصاحب المهنة ..
أيضا هم حريصون على أن يقوم الأطفال بخدمة أنفسهم .. فالأطفال ينظفون مدارسهم كل يوم لمدة ربع ساعة مع المدرسين وهو ما أدى إلى ظهور جيل متواضع حريص على النظافة .. أما نحن فاعتبرناه سلوكا غير مستحب ووجهنا اللوم إلى مدير إحدى المدارس عندما حاول تطبيق ذلك في مدرسته ! .. أيضا هم يدربونهم على احترام قيمة الوقت بصرامة وبدقة متناهية .. أما المحافظة على المال العام فباعتباره جزءا من الأخلاق وليس النظام ( القانون ) ..
التعليم هناك يشجع الطلاب على العمل بروح الفريق من خلال حصص دراسية مخصصة للحوار حيث يتم تقسيم الأطفال في هذه الحصص إلى مجموعات صغيرة للمحادثة والمناقشة لتطوير ملكة الحوار وتقبل الرأي المخالف والتعود على العمل الجماعي .. الشعب الياباني يهتم بأن ينشأ الطفل لطيفًا مهذبًا خلوقا يقدس العمل والنظام ويعرف قيمة الوقت جيدا .. من خلال ذلك نستطيع أن نفهم من أين أتى تفوق الطفل الياباني والمجتمع الياباني عموما ..

كل التحية والتقدير لصاحب فكرة استقدام وفد من الخبراء اليابانيين في مجال التربية والأخلاق ..    

التعليم .. الهدف الرئيس من زيارة اليابان ..

فالرئيس يعلم والكل يعلم أن قضيتنا المحورية هي التعليم .. فلا يجب أن نتكلم كثيرا عن تطور أو تقدم في ظل هذا الوضع التعليمي البائس .. ليس لدي فكرة أو تصور كامل عن النموذج الياباني .. لكن الذي أعرفه أن منظومة التعليم عندهم تهدف في الأساس إلى تنمية روح الابتكار والحث الجدي على التفكير والإبداع ثم التربية وتنمية الأخلاق .. واعلم أيضا أنهم على عكسنا تماما في فهم إدراة العملية التعليمية .. نحن نركز على الكم والحشو في المناهج ونهمل تماما الأنشطة والعمل الجماعي وممارسة الهوايات وهم يركزون في ذلك كثيرا ويهتمون بالجانب التربوي أكثر من التعليم ذاته .. سمعت من أحد الخبراء يقول إنه لدينا إهتمام بما يعادل 70 % للمنهج و30 % للنشاط ( أشك في هذه النسبة تماما ) وعند اليابانيين تخصص نسبة 30 % للمنهج و 70 % للنشاط ! .. هناك لا يوجد شيء اسمه رسوب أو نجاح حتى نهاية الشهادة الإعدادية والتقييم هناك له قواعد أخرى مختلفة تماما .. هذا الاتجاه جعل من التلميذ الياباني منتجا جيدا خاليا من العقد والأمراض النفسية والضغوط قادرا على الابتكار ولديه سعة كبيرة في الخيال .. أما المدارس فجلها حكومية ولا تتعدى نسبة التعليم الخاص نسبة 1% فقط وهو ما جعل الدولة تمسك بخيوط العملية التعليمة في يدها ولا تتركها للعابثين كما الحال عندنا .. التعليم هناك إلزامي ومجاني بالكامل حتى نهاية المرحلة الإعدادية .. أما في المرحلة الثانوية فليس مجانيا وهو تحضير جدي للدراسة الجامعية والدراسة فيه متعمقة وبها الكثير من الجدية والصرامة .. والتعليم الجامعي كذلك ليس مجانيا .. الطفل المصري يتمتع بنسبة ذكاء حادة بالمقاييس العالمية .. لكنه ما إن يندمج في هذه المنظومة الفاشلة يفقد تماما هذه الميزة ( الأوائل في الثانوية العامة عندنا لا يستغنون عن الدروس الخصوصية ) .. علمت أن الرئيس سيحاول نقل هذه التجربة في 10 مدارس ستخصص من الألف إلى الياء لتطبيق النموذج الياباني بحذافيره على أن تزاد في مرحلة لاحقة إلى 20 والهدف النهائي الوصول إلى 100 مدرسة ..
أقول : خيرا فعل الرئيس وتحية تقدير لمن أشار عليه بهذه الفكرة … فلو أنه أراد إحداث نقلة نوعية حقيقية في المنظومة الحالية القائمة المثقلة بالعلل والأمراض فسيكون كمن يحرث في البحر أو من يجهد نفسه في خض في الماء !

ليس عيبا أن نستفيد من تجارب الآخرين ..

 

 
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى