حمزه الحسن يكتب : لغة الزغاريد في الحرب والسرير

تكاد الزغاريد أن تكون طقساً عربياً إسلامياً ولغةً واعلانات ،
على الرغم من أن المؤرخ اليوناني الشهير هيرودس قبل الميلاد اشار لها خلال مروره بالاراضي الليبية،
يعتقد عالم مصريات إن الزغاريد من إبتكار مصر الفرعونية، وهناك من قال إنها هندية لطرد الحسد،
ومن قال ممارسة وثنية في المعابد للتبرك وتعددت المصادر مما لا يمكن حصرها.
ليس من السهل الزغردة لانها تحتاج الى مهارة في حركة اللسان وطريقة في وضع اليد وكانت احدى جاراتي عندما تنتصر في معركة نسوان،
تزغرد وتتشلح وتكشف المستور في سلوك عصابي غير مفهوم وكان صبيان الشارع ينتظرون هذه اللحظة البابوية الايروتيكية.
إرتبطت الزغاريد بالأفراح كما في الأحزان وفي الحرب لاثارة الحماس،
وتشييع الشهداء وفي القلعة حي القصبة الجزائري في العاصمة،
كانت النساء أيام المقاومة يفقن في الصباح عندما يسمعن باعدام مقاوم
في الفجر فيشتعل الحي القريب من السجن بالزغاريد،
وهو من طقوس الشعب الفلسطيني أيضاً حيث يتحول موكب التشييع الى عرس.
لكل زغرودة دلالتها ولغتها وطريقة الاداء، وعلى سبيل المثال زغاريد الختان بمثابة وثيقة جماعية من المجتمع للذكور بنهاية مرحلة وبداية أخرى والدخول في حقل التبادل الجسدي الشرعي،
يوم كان الزواج العربي طقساً إحتفاليا وليس نكبة كما اليوم.
كما ان زغاريد الختان اعلان عن انفصال الابن عن الأم كما درس الفيلسوف الانثربولوجي الجزائري مالك شبل الذي لا يعرفه العرب
دلالة اللغة المشفرة في زغاريد الختان وفي التقاليد العربية والاسلامية،
وفرح الأب لأن الابن صار أباً.
أما زغاريد العرس فهي اشهار واعلان إجتماعي بوضوح علاقة تبادلية حميمية تجري الآن،
وتصريح علني بحق الممارسة والزغاريد هنا تأخذ طابع الموافقة الاجتماعية والمباركة والتهنئة،
وكانت الممارسة الوحيدة الجنسية التي تجري بعلم الجميع،
قبل زمن الانترنت حيث يكون الزوج في غرفة النوم والمدام في الصالة منتصف الليل،
أمام طابور منتظر حسب الأدوار لشحن الطاقة أو supply التموين النفسي مع جماعة على الرف للطوارئ وكل فريق لا يعرف الاخر ولكل زبون قصة ولغة وقناع ولغة تدليل ومراحل مبرمجة والبديل جاهز.
علي العريس الخروج للناس بمنديل أبيض ببقعة حمراء وهي لغة تشير الى العفاف والى دخوله هو في عالم الرجال.،
ووثيقة تبرئة قبل زمن غشاء البكارة الانكليزي والامريكي والياباني.
لكن أعلى الزغاريد هي التي تمت في الخارج قبل الاحتلال،
فرحاً بزمن :” التحرير” عندما انهارت نخبة وطبلت لمشروع رأسمالية متوحشة للهيمنة والنهب،
وحاربت بالمعنى الحرفي بأقذر وأوضع الطرق كل صاحب رأي في قضية كبرى كالحرب والسلام في المنفى وصلت مستوى الاسفاف في لحظة حرجة ومنعطف خطير من تاريخ العراق تتطلب التريث والشراكة والتعقل والحكمة،
ولا تعيش هذه العاهات بلا بيئة متقبلة وصامتة وداعمة لكن الجميع سيدفع ثماً فادحاً لأن ” التواطؤ الصامت” يخلق مناخ الجريمة.
نحن في كل الأحوال شركاء في الأرض والوطن والخسارة والمستقبل والمصير والأمل.
واجب ودور وضمير المثقف في التوقع والتحذير والاستشراف ،
وليس دور الصاقول الذي لم تثبت يوما صحة بلاغته الانشائية المدرسية وعقلية المحارب،
مع ان الثقافة انتاج معرفة وحقائق جديدة ولغة مغايرة، والمعرفة تُنتج في الاختلاف وليس في التطابق.
لكن المندفعين خلف مشروع الاحتلال، قلبوا المعاطف وليس المواقف وصاروا أكثر الناس لعناً للنظام اليوم، كما لو أن شيئاً لم يكن ـــ كما لو أننا بلا ذاكرة،
بل في حفل تنكري بالاقنعة وفي دورة مكررة للثنائية المانوية : الأبيض والأسود، والشريف وغير الشريف، والوطني واللاوطني، وابن السفارة وابن المتعة وأولاد الملحة وأولاد الرفاق، وأبوي شيخ وأبوك بياع زوري….والخ وهلم جرا وفي الوقت نفسه أخرجوا قصة خلافات كاذبة عن منتقديهم بسبب الاحتفال بالاحتلال بلا تحسب وبما ان العراق كان في قطيعة اعلامية ولا يعرف ماذا كان يدور في الخارج من حوارات، مشت تلك الأكاذيب على كثيرين بلا فحص ولا سؤال: العقل المستقيل لا يفحص ولا يسأل ولا يشك ولا يتوقع قصة مختلفة كما لو انهم في عصر الديناصورات.
في علم نفس الظلام Dark Psychology اكتشاف مثير للغاية:
بعض العقول لم تغادر زمن الديناصورات والظلام في نكوص جيني لكنها تعمل حسب توقعات الاخرين من خلال الأقنعة بجاذبية سطحية ملفتة وتبني عقائد وأهدافاً للتغطية على جحيم ذاتي
وذات شاحبة مجوفة تستمد طاقتها من الاطراء والاعجاب وليس من داخلها المظلم.
ليس بوسع أحد إيقاف مشروع حرب لكن موقف المثقف التاريخي هو التنبيه
وصياغة صورة واضحة للغد وليس إطلاق الزغاريد حتى تم كبس الناس نياماً وضياع حياة ابرياء وثروة وبلاد تنحدر نحو الهاوية اليوم في انتظار الارتطام الاخير الذي سيحدث يوما ،حتماً، في لحظة غير متوقعة كما في كل تاريخنا الذي لا يخضع لسياق وعقل وتسلسل ومنطق ومسار وقوانين وسنن بل تلعب فيه النزوة والصدفة
والحماقة والعقل الثأري دورا كبيرا في صناعته .
نساء العراق الماهرات في قلب الأشياء، واعادة توزيع اللغة المشفرة،
قمن بتوظيف الزغاريد خارج الحقول المألوفة،
فعندما تدور معركة بين قبائل ويأتي رجل هارباً من الميدان كن يستقبلنه بالزغاريد كمعارة،
وفي حكاية كتبها المرحوم شمران الياسري أبو كاطع، ان أحد هؤلاء كان نفاخاً إستعراضياً بالشجاعة أيام السلم ـــــ كنموذج ناصر الغنام هرب من داعش وإستأسد في ساحة تدريب كتعويض عن جبن داخلي بالاستعراض ـــــــ
لكنه في معركة فر من الميدان عندما حمى وطيسها ودخل القرية وخلفه الغبار،
فإستقبلته إمرأة تعرفه بالزغاريد، فقال لها وهو يركض دون أن يتوقف:
” ولج هذا طك فشك مو شيل ز ….ور”.