ليلة من ليالي شباط الطويلة ، المطر يصفع وجه الأرض بقسوة ، بينما الريح تلملم بقايا أوراق شاحبة لترمي بها في سراب اللانهاية ، كانت الساعة تتجاوز الثالثة وأكثر ، أزيز الرصاص يقتل صرير الريح ، يجتاز حبال المطر الآتي من سماء مصفرة الوجنات ، مدفأة سوداء توزع نيرانها على أطراف منزل ريفي صغير ، ضجيج بدأ يشارك المطر والريح والرصاص حفلتهم التنكرية ، لا عزاء للزوجة الشقراء ، فالمائدة يجب أن تكون جاهزة بعد قليل ، رائحة البيض المقلي تختلط بعبير الثرى ، الصحون الطائرة تحط رحالها على قطعة من القماش المهترئ ، دقائق تمر متثاقلة ، المائدة أمست بانتظار القادمين من سرائر دافئة ، تتجمهر العائلة حول المائدة …
– هل نويت الصوم يا هادي …
قالها الأب الأربعيني وهو يبتسم
– نعم يا أبت سأصوم اليوم معكم …
لم يتبق إلا غادة ابنة الخمس سنوات تغط في نوم عميق …
– لا تكثروا الضجة يا أولاد ، كي لا تستيقظ غادة فتملأ الغرفة صراخا …
قالت الأم الشقراء الجميلة ، نكات تنتشر في أرجاء البيت ، الكل ينتظر إطلالة فجر جديد ، المطر مازال يدون ألحانه ، والريح والرصاص تتعانقان على ضفاف شاطئ متكسر الأجنحة ، لم تكن ملامح الليل قد بدأت بالمغادرة ، ربما أعجبه المكوث أكثر هذا الصباح …
– النهار قصير يامرأة ، ماذا ستحضرين لنا على مائدة الإفطار …
الكلمات تمتزج بغمزة للزوجة ، أشاحت خجلا ، لم تعتد على الغزل كثيرا ، الأبناء الثلاثة يداعبون نيران المدفأة ، الأب يهم بمغادرة الغرفة ، ربما أومأ لزوجته بشيء ما ، صوت الرصاص يتغلب على الريح ، بعض الخوف بدأ يسري في شريان الأبناء ، وربما الأم أيضا ، صوت كما رعد جاحد يأتي من السماء ، المائدة تتناثر كما حبات المطر ، اللون الأحمر يعلن قدومه ، استيقظت غادة مبكرا هذا الصباح ، صرخت على أمها ، لكن صوت الريح كان حاضرا …
– وحيدة أنت يا غادة … قالت رصاصة الرحمة الأخيرة …
…………..