وحيد عيادة يكتب : كمباوند شبرا مصر !
الكمباوندات: مملكة العزلة الفاخرة
هي تلك المدن الصغيرة المغلقة التي يعيش فيها الناس وكأنهم يمتلكون الأرض ومن عليها. هنا، كل فيلا هي قلعة محصنة، وكل عائلة هي مملكة مستقلة. الأطفال يلعبون في الحدائق الخاصة، والكبار يتجولون في سياراتهم الفاخرة وكأنهم في عرض أزياء دائم.
لكن وراء هذه الرفاهية، هناك فراغ عاطفي كبير. الجيران هنا يعيشون في عالم موازي تمت صناعته ربما بعد ثورة يناير ، حيث التواصل محدود للغاية. قد ترى جارك كل يوم وهو يمارس رياضة الجري، لكنك لن تعرف اسمه حتى لو عشت بجواره لعشر سنوات. التحية هنا تكون بإيماءة خفيفة من الرأس، وكأنها اتفاقية سرية بين طرفين لا يرغبان في الاقتراب أكثر من ذلك.
في الكمباوندات، الحياة تبدو مثالية من الخارج، لكنها مليئة بالوحدة من الداخل. الأطفال هنا يعيشون في عالم افتراضي، حيث الألعاب الإلكترونية تحل محل اللعب في الشارع، والأصدقاء الافتراضيون يحلون محل الأصدقاء الحقيقيين. الكبار، من ناحية أخرى، يتفننون في إظهار الرفاهية مثل (( ركوب سيارات
مرسيدس بنز / بي إم دبليو / أودي و أثناء الذهاب للحفلات لابد من المنافسة في ارتداء البدل من ارماني أو توم فورد أو
بول سميث ، أما الساعات فمعظمها
رولكس و أوميغا و لابد أثناء الحديث التفاخر بأنواع السيجار التي يدخنونها من كوهيبا أو مارلينو رمزا للارستقراطية .. و بالطبع يدور حديث السيدات عن الشنط النسائية التي قد يصل سعرها لملايين الجنيهات مثل لويس فويتون أو شانيل و ربما غوتشي )) لكنهم و رغم تلك المظاهر الخادعة يختبئون خلف جدران عالية من العزلة و كأنك في دولة داخل الدولة تعبيرا عن الانفصال الكامل عن الشعب و حياته و تطورات الاوضاع و الافكار..
و لكن دعونا ننظر الي الجانب الآخر من الصورة حيث الأحياء الشعبية العتيقة و الروح التي لا تزال تنبض . تلك الأماكن التي تعج بالحياة، حيث يعرف الجميع الجميع، وحيث الجيران ليسوا مجرد جيران، بل عائلة ثانية. هنا، الأبواب مفتوحة دائمًا، والروائح تتداخل: رائحة الفول المدمس من بيت الجيران، ورائحة الكعك الطازج من بيت العمة فاطمة. الأطفال يلعبون في الشارع، والكبار يتجمعون على المقاهي لتبادل الأحاديث والنكات.
وأنا عايز أقولك إن المقهى بلدي يعتبر بمثابة أكبر نادٍ في المنطقة، حيث تلعب الطاولة والشطرنج، والقصص و الاصوات المرتفعة تدور وكأنها مسلسلات عربية متواصلة!
و يا سلام بقي علي كوباية عصير القصب و اللا كوز الدرة المشوي و جماله بين ٱلات الاسنان و الانياب و هو يؤلف نوتة موسيقية متجانسة مع اصوات منادة الباعة الجائلين في الشارع مما يشكل جرسا موسيقيا يجعلك تشعر أنك في الصف الأول في دار الأوبرا المصرية تستمع الي موسيقي العبقري عمر خيرت أو اوركسترا القاهرة السيمفوني !
في الأحياء الشعبية، الجار يعرف تاريخ جاره منذ الولادة وحتى الزواج وحتى الطلاق (إذا حدث). الجارة تعرف عدد أبناء جارتها وأسمائهم وأعمارهم وحتى درجاتهم في المدرسة. هنا، الحياة بسيطة لكنها غنية بالمشاعر، والأشخاص يعيشون معًا، وليس فقط بجانب بعضهم.
نسيت اقولك علي اجمل دوري ممكن تستمع به و هي الدورة الرمضانية لكرة القدم هي اكبر و اهم تجمع رياضي في الساحات و مع ذلك تشعر وكانك في البريميرليج..
لذا، أيها القارئ العزيز، إذا كنت تعيش في إحدى هذه الخرسانات الصماء أو الكمباوندات الفاخرة ، ربما حان الوقت لتفتح نافذتك وتنظر إلى الخارج. ربما تبدأ بتحية جارك، أو تبادل حديث بسيط مع الشخص الذي يقف بجوارك في المصعد. لأن الحياة ليست مجرد جدران وأسقف، بل هي أيضًا مشاعر وعلاقات. وإذا لم نبدأ في إعادة الروح إلى هذه الخرسانات، فسنصبح جميعًا مجرد تماثيل شمعية في متحف الحياة الحديثة.
وإذا فشلت في ذلك، فلا تقلق! يمكنك دائمًا الانتقال إلى الأصل و الأصول و العادات والتقاليد والأعراف المصرية العريقة في الأحياء الشعبية، حيث الحياة أبسط، والوجوه أكثر دفئًا، وحيث الروح لا تزال تنبض… حتى لو كان ذلك يعني أن تسمع كل يوم قصة جديدة عن طلاق الجيران أو نجاح ابن عمتك في الامتحانات أو حتي صوت الجيران يتناولون وجبة الغذاء وكأن مبارة لسلاح الشيش قد بدأت للتو ! بس تحس انك عايش وسط عزة وكرم .
و يبقي السؤال حائرا هل نحن نعيش في حقبة “Apartheid” من نوع اخر أقصد تمييزا و تميزا طبقيا ؟!