مأمون الشناوي يكتب:الانسحاق

أكثر ما آلمني في البرنامج الذي يقدمه الفنان { محمد رمضان } ، هو انسحاق الناس ، ومذلتهم ، وفقدانهم توازنهم أمام بريق المال !!.
يقوم الفنان { محمد رمضان } بالتجول في الشوارع والأماكن المختلفة ، ينتقي واحداً من الناس ، تبدو عليه قسمات الاحتياج أو الفقر ، فيمنحه مبلغاً كبيراً من المال ، في مشهد أسطوري ، وسط تهليل الجموع الغفيرة المتزاحمة !!.
وبعيداً عن أنه فعل خير ، فهو في جوهره ليس كذلك علي الاطلاق ، ولكنها فكرة ذكية من أفكار الرأسمالية المحسوبة بدقة بالغة ، وكأنها من ألعاب المقامرة ، بحيث يبدو العمل خيرياً في ظاهره ، بينما ينضوي علي ربح مادي وجماهيري ، يسعي إليه كل فنان ، وبكل السبل ؛ فالعائد من الإعلانات التي تصاحب البرنامج ، ومن نشر مادته علي السوشيال ميديا ، تفوق ما أنفق عليه بكثير !!.
لكن الذي يعنيني ، ليس كل ذلك ، بقدر مايعنيني رد فعل الناس ؛ فعند تلقيهم المبلغ يفقدون توازنهم ووقارهم ، وتضربهم هستيريا مجنونة ، وبعضهم أغمي عليه من هول المفاجاة ، وسيدة راحت تزغرد وترقص كالذي أصابه مَسّ من الجان !!.
كما أن مثل تلك الأفعال ، ترسخ في أذهان الناس العيش في وهم هبوط الثروة عليهم فجأة من السماء ، دون تعب أو مجهود ، ويضرب خيالهم احتمال حدوث ذلك في أي وقت ، فيتواكلون ويرتاحون لهذا الشرك الخادع ، مما يفقد العمل قيمته ، والجهد معناه ، والعصامية مغزاها ، والكفاح من أجل لقمة العيش والحياة الكريمة جدواه !!.
كما أن انسحاق الناس ومذلتهم أمام المادة ، يوحي بضياع كل القيم والمبادئ الأخلاقية ، وتراجع التمسك بها ، وأن الناس باتت عطشي للمال فقط ، وقد تشققت نفوسهم ، كما تتشقق الأرض الشراقي العطشانة لاستقبال الماء ، وأصبحوا كمَن يشرب من البحر المالح ، كلما عب منه في جوفه ، ازداد عطشاً !!.
أرأيتم سادتي كيف أن للفن خطورته في تشكيل وعيّ المجتمع ، وأخلاق الناس ، وأنه مثل قطعة المخدرات المغلفة بسلوفان فاخر براق لامع مبهر !!.